غزة- الدبلوماسية الضائعة، حين تصطدم الضمائر بدبابات إسرائيل.

المؤلف: كمال أوزتورك11.13.2025
غزة- الدبلوماسية الضائعة، حين تصطدم الضمائر بدبابات إسرائيل.

في رحاب تركيا، التأم منتدى أنطاليا للدبلوماسية، محتضنًا نخبة من رجالات الدول، والدبلوماسيين المحنكين، والشخصيات البارزة من شتى بقاع المعمورة.

شهد المنتدى مشاركة فاعلة لما يقرب من 4700 فرد يمثلون 148 دولة، وقد تمحورت المناقشات والفعاليات حول موضوع جوهري وعصري: "الدبلوماسية في مواجهة الأزمات".

عندما نستحضر كلمة "أزمات"، يطفو على السطح، وبشكل فوري، واقع أزمة غزة المأساوي، تلك الكارثة الإنسانية والسياسية والجغرافية التي تعتبر الأعمق والأكثر وطأة على مستوى العالم خلال العقود الخمسة الماضية.

في ذلك السياق الحزين، علت أصوات الإدانة من كل حدب وصوب، بما في ذلك أصوات رؤساء الدول، مستنكرةً بأشد العبارات أعمال الإبادة الجماعية المروعة، والمجازر البشعة، والاحتلال الغاشم الذي تمارسه إسرائيل.

إسرائيل تجاوزت الحدود بالفعل

خلال فترة انعقاد هذا المحفل الرفيع، كانت منطقة رفح الحدودية، التي اتخذها سكان قطاع غزة ملاذًا آمنًا، تتعرض لقصف مستمر وعنيف من قبل القوات الإسرائيلية. وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن حصيلة مروعة للضحايا، بلغت 30410 شهداء. وفي سياق متصل، كشف "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، الذي يتخذ من أوروبا مقرًا له، عن قيام الدبابات الإسرائيلية بقتل العشرات من الفلسطينيين في قطاع غزة بصورة متعمدة.

وفي مشهد يثير الدهشة والاستغراب، كانت الطائرات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية ومصر تلقي مساعدات إنسانية على غزة من الجو، في محاولة لاستبدال معبر رفح الذي تضرر بشكل بالغ جراء القصف الإسرائيلي، وأصبح فتحه أمرًا متعذرًا، في تصرف يفتقر إلى أدنى معايير الحياء والإنسانية!

لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بقصف المدنيين الأبرياء الذين كانوا يتسابقون لتسلم تلك المساعدات بقذائف المدفعية الإسرائيلية، مما أسفر عن مصرع 112 شخصًا في موقع الحدث. وعلى الرغم من ردود الفعل الدولية الغاضبة والمستنكرة لهذا الهجوم الشنيع، لم تصدر إسرائيل أي رد أو تعليق، وكأن المسؤولين الإسرائيليين قد تجاوزوا كل الحدود وتعدوا الخطوط الحمراء.

لقد انحدروا إلى مستوى لا يعترف بالقيم الإنسانية، أو القوانين الدولية، أو المعايير الأخلاقية. ونتيجة لذلك، وصلت الدبلوماسية، والخطاب العقلاني، والضمير الإنساني إلى طريق مسدود في غزة.

أصوات الضمائر تصطدم بالدبابات الإسرائيلية

إن الدبلوماسية الهادفة، والتواصل البناء، ومناشدة الضمير الحي لا يمكن أن تثمر إلا في عالم يسوده الاحترام المتبادل والأخلاق الحميدة. ففي بيئة يتم فيها تطبيق قواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية، يكون لهذه الأمور فائدة جمة وأثر بالغ، ولكن هذا لم يعد واقعًا ملموسًا بالنسبة لإسرائيل في الوقت الراهن.

لا تبالي إسرائيل بحقيقة أن الشوارع في جميع أنحاء العالم، من لندن إلى ماليزيا، ومن البوسنة إلى جنوب إفريقيا، تعج بالأشخاص ذوي الضمائر الحية، الذين يوجهون سهام اللعنات إلى إسرائيل وسياساتها الظالمة.

إن أصوات الضمائر الصادقة التي تنطلق من القلوب الرحيمة، سواء كانت لفنانين عالميين، أو نجوم هوليوود، أو علماء أجلاء، أو رجال دين وقادة روحيين، أو حتى من البابا نفسه، تصطدم بقوة الدبابات الإسرائيلية الغاشمة وتسقط أرضًا.

لا يمكن لأحد أن يجزم بأن جميع الدعوات الحاثة وردود الفعل الغاضبة والاستنكارات الشديدة، التي تم إطلاقها على مستوى رؤساء الدول في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، قد أثرت ولو قليلًا على المسؤولين في إسرائيل الذين أصدروا الأوامر بقتل الأطفال الأبرياء.

لم نشهد أي تأثير يذكر لدعوات واستنكارات الاتحاد الأوروبي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، على الصواريخ والطائرات والدبابات الإسرائيلية التي تواصل قصفها وتدميرها.

إذن، ما الذي يدفع العالم إلى التمسك بهذه البيانات والقرارات بإصرار وعناد؟

ترى، بماذا تفكر الأم الفلسطينية المكلومة التي فقدت طفلها في طابور الخبز عندما تسمع هذه النداءات والمناشدات؟

يجب أن تدفع إسرائيل الثمن

لقد بات واضحًا للجميع أن إسرائيل، التي تدوس على جميع القيم الإنسانية النبيلة بدباباتها، وتضرب بعرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية، لا تتأثر بتلك النداءات والمناشدات. لذا، يجب اتخاذ خطوات عملية تجعل إسرائيل تدفع ثمن أفعالها الشنيعة، ويجب عزلها عن العالم أجمع، وقطع جميع العلاقات التجارية والاقتصادية معها، وفرض حظر شامل في جميع المجالات، بما في ذلك إغلاق الأجواء أمام طائراتها والموانئ البحرية أمام سفنها.

كما يجب إرسال قوات سلام دولية لوقف الجيش الإسرائيلي القاتل، وتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني المظلوم برعاية الأمم المتحدة والدول الإسلامية، إضافة إلى فتح معبر رفح بشكل دائم ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة.

إن أيًا من هذه الإجراءات، على الأقل، سيجعل إسرائيل تشعر بوطأة العقاب وتدفع ثمن جرائمها البشعة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة